روائع مختارة | روضة الدعاة | زاد الدعاة | أيأسن الماء.. إذا الماء ركد؟

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
روائع مختارة
الصفحة الرئيسية > روائع مختارة > روضة الدعاة > زاد الدعاة > أيأسن الماء.. إذا الماء ركد؟


  أيأسن الماء.. إذا الماء ركد؟
     عدد مرات المشاهدة: 3971        عدد مرات الإرسال: 0

تلاشت صورته.. لم أعد أرى إلا طيفه.. أرى خياله.. أسمع همسه.. أتخيل ابتساماته.. أحلم به.. ذهب وتركني..

لم أتوقع أن يتركني يوما ما لوحدي.. ماض جميل وحاضر مؤلم.. تدحرجت دمعة تلتها أختها.. مسحت دمعتي.. سندت ظهري..

اتكأت على عصاي.. جمعت قواي.. التفت فيمن حولي فسألتهم: ما فائدة الماء.

انهالت علي الإجابات واحدة تلو الأخرى، فمجيب عن فوائده الصحية، وآخر عن مكوناته العلمية، وثالث.. ورابع..

التفت إلي فتى لبيب فقال لي: اسمع أيها الجد قوله تعالى: {وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ} [الأنبياء: 30].

استوقفتني عبارته واستشهاده بالآية، علمت أن لهذا الشخص طريقة تفكير تفوق طرائق تفكير إخوانه وقرنائه، لاح لي في عينيه فهم الفهيم، وحكمة الحكيم، وكلام البليغ.

أطرقت مليا ثم قلت لجلسائي: أيأسن الماء؟

ازداد اللغط في المجلس، وارتفعت الأصوات: لماذا تسأل مثل هذه الأسئلة؟

قلت لهم: أجيبوني..

قال أحدهم: إذا خالطته النجاسة..

وقال الآخر: إّذا أضفت إليه ما ليس منه.

وقال ثالث: إذا حجب عن أشعة الشمس..

وقال رابع: إذا قل..

ثم التفت إلي ذلك الفتى اللبيب فقال: أما والله ما قالوا إلا حقا، ولكنني أعلم ما تريد!!!

أتريد أن تقول لنا: (يأسن الماء إذا الماء ركد)?!

ازددت إعجابا بهذا الفتى، فقد فتح الله عليه باب الفهم وفقه الكلمة. نظرت إليه فقلت: إني سائلك فأجبني.

فقال: هات..

قلت: يأسن الماء إذا ركد ما الذي تفهمه منها؟

تبسم تبسم الواثق وقال لي: لقد لاح في خاطري ما تريد الوصول إليه. الماء سر الحياة، وسر بقائها وبقاء البشرية جمعاء، فمنه نشرب وبه نتطهر وبه تزرع وعليه نأكل و.. ولكن مرادك لم يكن إلا قول الله تعالى: {وَاللَّهُ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَابًا فَسُقْنَاهُ إِلَى بَلَدٍ مَيِّتٍ فَأَحْيَيْنَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا كَذَلِكَ النُّشُورُ} [فاطر: 9].

وقوله تعالى: {أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا فَاحْتَمَلَ السَّيْلُ زَبَدًا رَابِيًا وَمِمَّا يُوقِدُونَ عَلَيْهِ فِي النَّارِ ابْتِغَاءَ حِلْيَةٍ أَوْ مَتَاعٍ زَبَدٌ مِثْلُهُ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْحَقَّ وَالْبَاطِلَ فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ} [الرعد: 17]

ولم يكن ما تريد هو ظاهر الآية، بل تريد شيئا بعينه.. فإليك ذلك:

تسقط أشعة الشمس الحارة على المسطحات المائية فيتبخر الماء منها، فيصعد إلى السماء فيجتمع ويتكثف فيكون سحابا، فيسوقه الله إلى أي أرض شاء فتهتز وتربو فيحييها الله بعد موتها..

كذلك الداعية إلى الله عز وجل، فهو سر الحياة كالماء إن سار وتدفق وانفجر عيونا وينابيعا بارك الله فيه فحيا وأحيا مواتا، وإن ركد واتكل وخمل وكسل أسن وتعفن..

وأما أشعة الشمس فإنها حرارة الإيمان، وقوة الطاعة، وذاتية المؤمن، فتبعث فيه القوة والنشاط، فيتبخر على الجوارح فيظهر واضحا جليا في حركاته وسكناته، فهو ينتقل من ميدان إلى آخر، ومن مسجد لآخر، ومن حي إلى آخر، ومن نشاط دعوي أيا كان إلى آخر، وما ساقه إلا الله عز وجل ولو شاء لأركده..

ثم تترجم تلك الحرارة، وذلك النشاط إلى كلمات وعبارات فيها الصدق والإخلاص والتقوى وأنشطة دعوية. فأمطرت على القلوب فما كان ميتا أحياه الله وما كان مجدبا أغاثه الله، فاهتزت تلك القلوب وجلا وخوفا من الله وطمعا في رحمته ثم تشبعت بكلام الله وسنة رسوله الكريم، فنبتت فيها غراس التقوى وزروع الإخلاص وأزهار الطاعة..

قاطعته فقلت: يا بني وكيف يأسن الماء إذا؟

تبسم ابتسامة عريضة وقال لي:

نظرت للعلياء والعليـاء قــــــــد --- يدركهـا المرء إذا المرء جـد

وقلت في نفسي لنفسي أيا ترى --- أيأسن المـاء إذا المـاء ركـد

فنادى المنادي للمنـادي وقــــــد --- علمت الجواب إذا الجواب فُقد

فكم من جاهل غُر بجهل وصــد --- عـن العليـــا وللعليــــــا فقــــد

وقلت لنفسي فــي نفســي وقــد --- يأسـن المـاء إذا الماء ركــد

يا جد: إذا ركد الداعية وخمل وكسل وركن، أسن.

يقول النبي صلى الله عليه وسلم: "المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف وفي كل خير " (رياض الصالحين للنووي برقم 100).

وقوله تعالى: {وَلَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَنْ عِنْدَهُ لَا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَلَا يَسْتَحْسِرُونَ (19) يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لَا يَفْتُرُونَ (20)} [الأنبياء: 19 - 20].

أي أنهم في عبادة دائمة ينزهون الله عما لا يليق به، ويصلون، ويذكرون الله ليلا ونهارا لا يضعفون ولا يسامون ولا يفترون) (صفوة التفاسير للصابوني 20 257-258 20 257-258).

يا جد: إذا استغنى الداعية عن إخوانه ليجابه تيارات عارمة، أسن. والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: "... عليكم بالجماعة، وإياكم والفرقة، فإن الشيطان مع الواحد، وهو مع الإثنين، أبعد، من أراد بحبوحة الجنة فليلزم الجماعة " (أخرجه الترمذي).

وكما قيل: (المرء قليل بنفسه كثير بإخوانه).

ويقول ابن المبارك رحمه الله:

لولا الجماعة ماكانت لنا سبلا = ولكان أضعفنا نهبا لأقوانا

يا جد: إذا خلط الداعية عملا صالحا بآخر سيء، أسن.

قال تعالى: (وآخرون اعترفوا بذنوبهم خلطوا عملا صالحا وآخر سيئا عسى الله أن يتوب عليكم إن الله غفور رحيم) (التوبة، 102).

يقول النبي صلى الله عليه وسلم: "إن المؤمن يرى ذنوبه كأنه قاعد تحت جبل يخاف أن يقع عليه، وأن الفاجر يرى ذنوبه كذباب مر على أنفه فقال بيده هكذا " فحرك يده عن أنفه (رواه البخاري رقم 122).

يقول الله تعالى: {وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ} [الشورى: 30].

وقوله صلى الله عليه وسلم: "إياكم ومحقرات الذنوب، فإنهم يجتمعن على الرجل حتى يهلكنه " (أخرجه الإمام أحمد في مسنده).

وقوله صلى الله عليه وسلم: "إن المؤمن إذا أذنب ذنبا نكت في قلبه نكتة سوداء.

فإذا تاب نزع واستغفر صقل قلبه وإن زاد زادت حتى تعلو قلبه، فذلك الران الذي ذكره الله تعالى في كتابه: {كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} [المطففين: 14] " (التجريد الصريح لأحاديث البخاري الصحيح برقم 19).

يا جد: إذا غلبت الداعية شهوة أو شبهة، أسن.

قال صلى الله عليه وسلم: "يوشك أن يكون خير مال المسلم غنم يتبع بها شغف الجبال ومواقع القطر يفر بدينه من الفتن " (التجريد الصريح لأحاديث البخاري الصحيح برقم 48).

وحديث "الحلال بين والحرام بين وبينهما أمور مشتبهات لا يعلمها كثير من الناس " (رواه الترمذي).

وقوله صلى الله عليه وسلم: "دع ما يريبك إلى ما لا يريبك ".

يا جد: إذا دخل على الداعية ما ليس منه كالدنيا، أسن. قال الله تعالى: (إنما أموالكم وأولادكم فتنة) (فاطر، 5)

ويقول الله تعالى: (يا أيها الناس إن وعد الله حق فلا تغرنكم الحياة الدنيا ولا يغرنكم بالله الغرور) (التغابن، 15).

وكما قال صلى الله عليه وسلم: "فأبشروا، وأملوا ما يسركم، فوالله ما الفقر أخشى عليكم ولكن أخشى أن تبسط الدنيا عليكم كما بسطت على من كان قبلكم فتنافسوها كما تنافسوها وتهلككم كما أهلكتهم " (رواه البخاري برقم 112).

ويقول الشاعر (رياض الصالحين للنووي، تحقيق شعيب الأرنؤوط، ص 32):

إن لله عبـادا فطنــا = طلقوا الدنيا وخافوا الفتنا

نظروا فيها فلما علموا = أنها ليسـت لحي وطنـا

جعلوها لجـة واتخذوا = صالح الأعمـال منها سفنا

الكاتب: سلمان جود الله الذويبي

المصدر: موقع المختار الإسلامي